فصل: من الآية 1: 11 من سورة النساء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **


تفسير سورة النساء

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏

‏.‏ وَءَاتُواْ الْيَتَـامَىا أَمْوَالَهُمْ أمر اللَّه تعالى في هذه الآية الكريمة بإيتاء اليتامى أموالهم، ولم يشترط هنا في ذلك شرطًا، ولكنه بيّن هذا أن هذا الإيتاء المأمور به مشروط بشرطين‏:‏

الأول‏:‏ بلوغ اليتامى‏.‏

والثاني‏:‏ إيناس الرشد منهم، وذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا‏}‏‏.‏

وتسميتهم يتامى في الموضعين، إنما هي باعتبار يتمهم الذي كانوا متصفين به قبل البلوغ، إذ لا يتم بعد البلوغ إجماعًا، ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ‏}‏، يعني الذين كانوا سحرة، إذ لا سحر مع السجود للَّه‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ معنى إيتائهم أموالهم إجراء النفقة والكسوة زمن الولاية عليهم‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة أعطي ماله على كل حال؛ لأنه يصير جدًا، ولا يخفى عدم اتجاهه، واللَّه تعالى أَعلم‏.‏

{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏، ذكر في هذه الآية الكريمة أن أكل أموال اليتامى حوب كبير، أي‏:‏ إثم عظيم، ولم يبيّن مبلغ هذا الحوب من العظم، ولكنه بيّنه في موضع آخر وهو قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏}‏‏.‏

‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا‏}‏

، وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَـامَىا فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط، وهذا الجزاء، وعليه، ففي الآية نوع إجمال، والمعنى كما قالت أم المؤمنين، عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره، فإن كانت جميلة، تزوجها من غير أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره؛ لئلا يشاركه في مالها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، أي‏:‏ كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال، والجمال، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة، وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين، عائشة، رضي اللَّه عنها، يبيّنه ويشهد له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا‏}‏، وقالت رضي اللَّه عنها‏:‏ إن المراد بما يتلى عليكم في الكتاب هو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏، فتبين أنها يتامى النساء بدليل تصريحه بذلك في قوله‏:‏ ‏{‏فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ‏}‏، فظهر من هذا أن المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك؛ لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه، وهذا هو أظهر الأقوال؛ لدلالة القرءَان عليه، وعليه فاليتامى جمع يتيمة على القلب، كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم لما عرف أن جمع الفعلية فعائل، وهذا القلب يطرد في معتل اللام كقضية، ومطية، ونحو ذلك ويقصر على السماع فيما سوى ذلك‏.‏

قال ابن خويز منداد‏:‏ يؤخذ من هذه الآية جواز اشتراء الوصي وبيعه من مال اليتيم لنفسه بغير محاباة، وللسلطان النظر فيما وقع من ذلك، وأخذ بعض العلماء من هذه الآية أن الولي إذا أراد نكاح من هو وليها جاز أن يكون هو الناكح والمنكح وإليه ذهب مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، والثوري، وأبو ثور، وقاله من التابعين‏:‏ الحسن وربيعة وهو قول الليث‏.‏

وقال زفر والشافعي‏:‏ لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان، أو يزوجها ولي آخر أقرب منه أو مساو له‏.‏

وقال أحمد في إحدى الروايتين‏:‏ يوكل رجلاً غيره فيزوجها منه، وروي هذا عن المغيرة بن شعبة، كما نقله القرطبي، وغيره‏.‏

وأخذ مالك بن أنس من تفسير عائشة لهذه الآية، كما ذكرنا الرد إلى صداق المثل فيما فسد من الصداق، أو وقع الغبن في مقداره؛ لأن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت‏:‏ ‏"‏ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق‏"‏، فدلّ على أن للصداق سنة معروفة لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم، وقد قال مالك‏:‏ للناس مناكح عرفت لهم، وعرفوا لها يعني مهورًا وأكفاء‏.‏

ويؤخذ أيضًا من هذه الآية جواز تزويج اليتيمة إذا أعطيت حقوقها وافية، وما قاله كثير من العلماء من أن اليتيمة لا تزوج حتى تبلغ، محتجين بأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء‏}‏، اسم ينطلق على الكبار دون الصغار، فهو ظاهر السقوط؛ لأن اللَّه صرح بأنهن يتامى، بقوله‏:‏ ‏{‏فِي يَتَامَى النِّسَاء‏}‏، وهذا الاسم أيضًا قد يطلق على الصغار، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ‏}‏، وهن إذ ذاك رضيعات فالظاهر المتبادر من الآية جواز نكاح اليتيمة مع الإقساط في الصداق، وغيره من الحقوق‏.‏

ودلّت السنّة على أنها لا تجبر، فلا تزوج إلا برضاها، وإن خالف في تزويجها خلق كثير من العلماء‏.‏

تنبيــه

‏:‏ قال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصه‏:‏ واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى‏}‏، ليس له مفهوم إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة، اثنتين، أو ثلاثًا، أو أربعًا، كمن خاف فدلّ على أن الآية نزلت جوابًا لمن خاف ذلك وأن حكمها أعم من ذلك‏.‏ا هـ منه بلفظه‏.‏

قال مقيده عفا اللَّه عنه‏:‏ الذي يظهر في الآية على ما فسرتها به عائشة، وارتضاه القرطبي، وغير واحد من المحققين ودلّ عليه القرءَان‏:‏ أن لها مفهومًا معتبرً؛ لأن معناها‏:‏ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتيمات فانكحوا ما طاب لكم من سواهن، ومفهومه أنهم إن لم يخافوا عدم القسط لم يؤمروا بمجاوزتهن إلى غيرهن، بل يجوز لهم حينئذ الاقتصار عليهن وهو واضح كما ترى، إلا أنه تعالى لما أمر بمجاوزتهن إلى غيرهن عند خوفهم أن لا يقسطوا فيهن، أشار إلى القدر الجائز من تعدد الزوجات، ولا إشكال في ذلك، واللَّه أعلم‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ معنى الآية ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى‏}‏، أي‏:‏ إن خشيتم ذلك فتحرجتم من ظلم اليتامى، فاخشوا أيضًا وتحرجوا من ظلم النساء بعدم العدل بينهن، وعدم القيام بحقوقهن، فقللوا عدد المنكوحات ولا تزيدوا على أربع، وإن خفتم عدم إمكان ذلك مع التعدد فاقتصروا على الواحدة؛ لأن المرأة شبيهة باليتيم، لضعف كل واحد منهما وعدم قدرته على المدافعة عن حقه فكما خشيتم من ظلمه فاخشوا من ظلمها‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ كانوا يتحرجون من ولاية اليتيم ولا يتحرجون من الزنى، فقيل لهم في الآية‏:‏ إن خفتم الذنب في مال اليتيم فخافوا ذنب الزنى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء ولا تقربوا الزنا‏.‏ وهذا أبعد الأقوال فيما يظهر واللَّه تعالى أعلم‏.‏

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أيضًا‏:‏ أن من كان في حجره يتيمة لا يجوز له نكاحها إلا بتوفيته حقوقها كاملة، وأنه يجوز نكاح أربع ويحرم الزيادة عليها، كما دل على ذلك أيضًا إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف الضال، وقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة‏:‏ ‏"‏اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن‏"‏‏.‏ وكذا قال للحارث بن قيس الأسدي وأنه مع خشية عدم العدل لا يجوز نكاح غير واحدة والخوف في الآية، قال بعض العلماء‏:‏ معناه الخشية، وقال بعض العلماء‏:‏ معناه العلم، أي‏:‏ ‏{‏وأن‏}‏ علمتم ‏{‏ألا تقسطوا‏}‏، ومن إطلاق الخوف بمعنى العلم‏.‏ قول أبي محجن الثقفي‏:‏ إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي في الممات عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

فقوله أخاف‏:‏ يعني أعلم‏.‏

تنبيــه

عبّر تعالى عن النساء في هذه الآية بما التي هي لغير العاقل في قوله‏:‏ ‏{‏فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء‏}‏، ولم يقل من طاب؛ لأنها هنا أريد بها الصفات لا الذوات‏.‏ أي‏:‏ ما طاب لكم من بكر أو ثيب، أو ما طاب لكم لكونه حلالاً، وإذا كان المراد الوصف عبر عن العاقل بما كقولك ما زيد في الاستفهام تعنى أفاضل‏؟‏‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ عبر عنهن بـ ‏{‏مَا‏}‏ إشارة إلى نقصانهن وشبههن بما لا يعقل حيث يؤخذ بالعوض، واللَّه تعالى أعلم‏.‏

‏{‏لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏}‏، لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاٌّقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاٌّقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً لم يبيّن هنا قدر هذا النصيب الذي هو للرجال والنساء مما ترك الوالدان والأقربون، ولكنه بيّنه في آيات المواريث كقوله‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ‏}‏، وقوله في خاتمة هذه السورة الكريمة‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ‏}‏‏.‏

{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا‏}

، يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِىا أَوْلَـادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاٍّنْثَيَيْنِ لم يبيّن هنا حكمة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث مع أنهما سواء في القرابة‏.‏ ولكنه أشار إلى ذلك في موضع آخر وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا‏}‏؛ لأن القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقب للنقص دائمًا، والمقوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائمًا، والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبرًا لنقصة المترقبة ظاهرة جدًا‏.‏

{‏فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا‏}‏، صرّح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن البنات إن كن ثلاثًا فصاعدًا، فلهن الثلثان وقوله‏:‏ ‏{‏فوق اثنتين‏}‏ يوهم أن الاثنتين ليستا كذلك، وصرّح بأن الواحدة لها النصف، ويفهم منه أن الاثنتين ليستا كذلك أيضًا، وعليه ففي دلالة الآية على قدر ميراث البنتين إجمال‏.‏

وقد أشار تعالى في موضعين إلى أن هذا الظرف لا مفهوم مخالفة له، وأن للبنتين الثلثين أيضًا‏.‏

الأول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ‏}‏، إذ الذكر يرث مع الواحدة الثلثين بلا نزاع، فلا بد أن يكون للبنتين الثلثان في صورة، وإلا لم يكن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأن الثلثين ليسا بحظ لهما أصلاً، لكن تلك الصورة ليست صورة الاجتماع، إذ ما من صورة يجتمع فيها الابنتان مع الذكر ويكون لهما الثلثان، فتعين أن تكون صورة انفرادهما عن الذكر‏.‏ واعتراض بعضهم هذا الاستدلال بلزوم الدور قائلاً‏:‏ إن معرفة أن للذكر الثلثين في الصورة المذكورة تتوقف على معرفة حظ الأنثيين؛ لأنه ما علم من الآية إلا أن للذكر مثل حظ الأنثتين، فلو كانت معرفة حظ الأنثيين مستخرجة من حظ الذكر لزم الدور ساقط؛ لأن المستخرج هو الحظ المعين للأنثيين وهو الثلثان، والذي يتوقف عليه معرفة حظ الذكر هو معرفة حظ الأنثيين مطلقًا، فلا دور لانفكاك الجهة، واعترضه بعضهم أيضًا بأن للابن مع البنتين النصف، فيدل على أن فرضهما النصف، ويؤيد الأول أن البنتين لما استحقتا مع الذكر النصف علم أنهما إن انفردتا عنه، استحقتا أكثر من ذلك؛ لأن الواحدة إذا انفردت أخذت النصف، بعدما كانت معه تأخذ الثلث، ويزيده إيضاحًا أن البنت تأخذ مع الابن الذكر الثلث بلا نزاع، فلأن تأخذه مع الابنة الأنثى أولى‏.‏